الموجز الاخباري لصحيفة وقع الحدث تابعنا من هنا

كتاب الرأي

اللي تكلم لك عني وصدقته، تراه تكلم لي عنك وسكّته

ناصرمضحي الحربي :

في العلاقات الإنسانية، تتجلى أعظم اختبارات الوفاء في لحظات الغياب، وفي الحكايات المنقولة في غيابنا، وفي ذاك الطرف الثالث الذي يتطوع – أحيانًا بحسن نية، وأحيانًا بسوء طويّة – ليكون الناقل، والمفسّر، والمحلّل، والحَكم.
تبدأ القصة غالبًا بجملة من نوع: “قالوا عنك…” أو “سمعت إنك قلت…”، وهنا تبدأ المسافة بين الحقيقة والافتراء في الاتساع، وتُختبر فيها صداقتك، محبتك، وحتى نضجك.
لكن الأدهى من ذلك حين تُبنى القناعات على أساس ما يُنقل، دون تحقق أو تمهّل، فتكون النتيجة فتورًا، أو قطيعة، أو ظنًا سيئًا يُشوه سنين من الود.

العبارة الشعبية القوية: “اللي تكلم لك عني وصدقته، تراه تكلم لي عنك وسكّته” ليست مجرد مثل عابر، بل تلخيص بليغ لسلوك بعض الناس الذين لا يُجيدون إلا العيش على الحبال المقطوعة بين الآخرين.
فمن نقل لك عني، ربما نقل عنك أيضًا، ولكنه في المرة الأولى أراد إشعال نار، وفي الثانية اكتفى بابتلاع شرارة.
وهذا الصنف من الناس، لا يؤمن بالصداقة ولا بالعلاقات الصادقة، بل يرى العالم كله مادة قابلة للّعب والإثارة.

والسؤال المهم الذي تطرحه العبارة:
لماذا نُصدق من ينقل لنا السوء، ولا نشك لحظة في نواياه؟ لماذا نُسرع بالحكم على أحبابنا، ونتباطأ في منحهم فرصة التوضيح؟ ولماذا نسمح للطرف الثالث أن يتحكم في روايتنا وعلاقتنا بالناس؟

الحكمة ليست في أن نُغلق آذاننا، بل في أن نُشغّل عقولنا، ونزن كل ما يُقال بميزان التجربة والثقة والمعرفة.
فالقلوب التي بنتها المواقف لا تهدمها الأقوال، إلا إذا كانت علاقتنا بالأشخاص هشّة من الأساس.
في النهاية، من يُحبك لن يُصدق عنك ما يُقال حتى يسمعه منك، ومن يعرفك حقًا لن يجعل السمع بديلاً عن المعايشة.
وإذا كان في كل علاقة صديق، فاحذر أن يكون “الناقل” هو القاسم المشترك الذي يفرق لا يجمع، ويُشوّه لا يُنصف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى